سورة الرحمن - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


قوله تعالى: {سنَفْرُغُ لكم} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {سنَفْرُغُ} بنون مفتوحة. وقرأ ابن مسعود، وعكرمة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وعبد الوارث: {سيَفْرُغُ} بياءٍ مفتوحة. وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، وابن أبي عبلة، وعاصم الجحدري، عن عبد الوارث: {سيُفْرَغُ} بضم الياء وفتح الراء. قال الفراء: هذا وعيد من الله تعالى، لأنه لا يشغَله شيء عن شيء، تقول للرجل الذي لا شغل له: قد فرغتَ لي، قد فرغت تشتمني؟! أي: قد أخذتَ في هذا وأقبلتَ عليه؟! قال الزجاج: الفراغ في اللغة على ضربين. أحدهما: الفراغ من شغل. والآخر: القصد للشيء، تقول: قد فرغتُ مما كنتُ فيه، أي: قد زال شغلي به، وتقول: سأتفرَّغ لفلان، أي: سأجعله قصدي، ومعنى الآية: سنَقْصُد لحسابكم. فأمّا {الثَّقَلان} فهما الجن والإنس، سُمِّيا بذلك لأنهما ثقل الأرض.
قوله تعالى: {أن تَنْفُذوا} أي: تخرُجوا؛ يقال: نفذ الشيء من الشيء: إذا خَلَص منه، كالسهم ينفُذ من الرَّمِيَّة، والأقطار: النواحي والجوانب. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: إِن استطعتم أن تعلَموا ما في السموات والأرض فاعلَموا، قاله ابن عباس.
والثاني: إن استطعتم أن تهرُبوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض فاهرُبوا واخرُجوا منها؛ والمراد: أنكم حيثما كنتم أدرككم الموت، هذا قول الضحاك ومقاتل في آخرين.
والثالث: إن استطعتم أن تَجُوزوا أطراف السموات والأرض فتُعجِزوا ربَّكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا؛ وإنما يقال لهم هذا يوم القيامة، ذكره ابن جرير.
قوله تعالى: {لا تنفُذونَ إِلاّ بسُلطانٍ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا تنفذون إِلا في سلطان الله ومُلكه، لأنه مالك كل شيء، قاله ابن عباس.
والثاني: لا تنفذون إِلاّ بحُجَّة، قاله مجاهد.
والثالث: لا تنفُذون إِلا بمُلك، وليس لكم مُلك، قاله قتادة.
قوله تعالى: {يُرْسَلُ عليكما} فثنَّى على اللفظ. وقد جمع في قوله: {إِن استطعتم} على المعنى.
فأمّا {الشُّواظ} ففيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه لهب النار، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: هو اللهب الأخضر المنقطع من النار.
والثاني: الدُّخان، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: النار المحضة، قاله الفراء. وقال أبو عبيدة: هي النار التي تأجَّج لا دخان فيها، ويقال: شُواظ وشِواظ. وقرأ ابن كثير بكسر الشين؛ وقرأ أيضاً هو وأهل البصرة: {ونُحاسٍ} بالخفض، والباقون برفعهما.
وفي النُّحاس قولان:
أحدهما: أنه دخان النار، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، والفراء وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج، ومنه قول الجعديّ يذكر امرأة:
تُضيءُ كضَوْءٍ سِراج السَّلِي *** طِ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ فيه نُحاسا
وذكر الفراء في السَّليط ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه دُهن السَّنام، وليس له دخان إِذا استُصبح به.
والثاني: أنه دُهن السِّمسِم.
والثالث: الزيت.
والثاني: أنه الصُّفْر المُذاب يُصَبُّ على رؤوسهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة. قال مقاتل: والمراد بالآية: كفار الجن والإنس، يرسل عليهما في الآخرة لهب النار والصُّفْر الذائب، وهي خمسة أنهار تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار، ثلاثة أنهار على مقدار الليل، ونهران على مقدار نهار الدنيا، {فلا تَنْتَصِرانِ} أي: فلا تمتنعان من ذلك.


قوله تعالى: {فإذا انْشَقَّت السَّماءُ} أي: انفرجتْ من المجرَّة لنُزول مَنْ فيها يومَ القيامة {فكانت وردةً} وفيها قولان:
أحدهما: كلَوْن الفرس الوردة، قاله أبو صالح، والضحاك. وقال الفراء: الفرس الوردة، تكون في الربيع وردة إِلى الصُّفرة، فإذا اشتد الحر كانت وردة حمراء، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة، فشبّه تلوّن السماء بتلوّن الوردة من الخيل؛ وكذلك قال الزجاج: {فكانت وردة} أي: كلون فرس وردة؛ والكُميت: الورد يتلوَّن، فيكون لونه في الشتاء خلاف لونه في الصيف، ولونه في الصيف خلاف لونه في الشتاء، فالسماء تتلوَّن من الفزع الأكبر. وقال ابن قتيبة: المعنى: فكانت حمراء في لون الفرس الورد.
والثاني: أنها وردة النبات؛ وقد تختلف ألوانها، إلا أن الأغلب عليها الحمرة، ذكره الماوردي.
وفي الدِّهان قولان:
أحدهما: أنه واحد، وهو الأديم الأحمر، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه جمع دُهن، والدُّهن تختلف ألوانه بخُضرة وحُمرة وصُفرة، حكاه اليزيدي، وإلى نحوه ذهب مجاهد. وقال الفراء: شبّه تلوُّن السماء بتلوُّن الوردة من الخيل، وشبّه الوردة في اختلاف ألوانها بالدُّهن.
قوله تعالى: {فيومَئذ لا يُسألُ عن ذَنْبه إنسٌ ولا جانٌّ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لا يسألون ليُعلم حالهم، لأن الله تعالى أعلم منهم بذلك.
والثاني: لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله لاشتغال كل واحد منهم بنفسه، روي القولان عن ابن عباس.
والثالث: لا يُسألون عن ذنوبهم لأنهم يُعرفون بسيماهم، فالكافر أسود الوجه، والمؤمن أغر محجَّل من أثر وضوئه، قاله الفراء. قال الزجاج: لا يُسأل أحد عن ذنْبه ليُستفهم، ولكنه يُسأل سؤال توبيخ.
قوله تعالى: {يُعْرَفُ المُجْرِمونَ بسِيماهم} قال الحسن: بسواد الوجوه، وزَرَق الأعيُن {فيؤخذ بالنَّواصي والأقدامِ} فيه قولان:
أحدهما: أن خزنة جهنم تجمع بين نواصيهم إلى أقدامهم من وراء ظُهورهم، ثم يدفعونهم على وجوههم في النار، قاله مقاتل.
والثاني: يؤخذ بالنَّواصي والأقدام، فيُسحبون إلى النار، ذكره الثعلبي. وروى مردويه الصائغ، قال: صلّى بنا الإمام صلاة الصبح فقرأ سورة الرحمن ومعنا علي بن الفضيل بن عياض، فلمّا قرأ {يُعْرَفُ المُجْرِمون بسِيماهم} خَرَّ عليٌّ مغشيّاً عليه حتى فرغنا من الصلاة، فلمْا كان بعد ذلك قلنا له: أما سمعتَ الإمام يقرأ {حُورٌ مقصوراتٌ في الخيام}؟ قال: شغلني عنها {يُعْرَفُ المُجْرِمون بسِيماهم فيؤخذ بالنَّواصي والأقدام}.
قوله تعالى: {هذه جهنَّمُ} أي: يقال لهم. هذه جهنَّمُ {التي يكذّب بها المُجْرِمونَ} يعني المشركين، {يَطُوفون بينها} وقرأ أبو العالية، وأبو عمران الجوني: {يُطَوِّفون} بياءٍ مضمومة مع تشديد الواو؛ وقرأ الأعمش مثله إلا أنه بالتاء.
قوله تعالى: {وبين حميمٍ آنٍ} قال ابن قتيبة: الحميم: الماء الحارّ، والآني: الذي قد انتهت شِدَّة حَرِّه. قال المفسرون: المعنى أنهم يسعَون بين عذاب الجحيم وبين الحميم، إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم الشديد الحرارة.


قوله تعالى: {ولِمَن خاف مَقام ربِّه جَنَّتانِ} فيه قولان:
أحدهما: قيامه بين يدي ربه عز وجل يوم الجزاء.
والثاني: قيام الله على عبده بإحصاء ما اكتسب. وجاء في التفسير، أن العبد يهُمُّ بمعصية فيتركها خوفاً من الله عز وجل فله جنَّتان، وهما بستانان.
{ذواتا أفنانٍ} فيه قولان:
أحدهما: أنها الأغصان، وهي جمع فَنَن، وهو الغُصن المستقيم طولاً، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وعطية، والفراء، والزجاج.
والثاني: أنها الألوان والضروب من كل شيء، وهي جمع فَنَن، وهذا قول سعيد بن جبير. وقال الضحاك: ذواتا ألوان من الفاكهة.
وجمع عطاء بين القولين، فقال في كل غصن فُنون من الفاكهة.
قوله تعالى: {فيهما عينان تَجْرِيان} قال ابن عباس: تجريان بالماء الزلال، إحداهما: السلسبيل، والأخرى: التسنيم. وقال عطية: إحداهما: من ماءٍ غير آسن، والأخرى: من خمر. وقال أبو بكر الورّاق: فيهما عينان تجريان لِمَن كانت له في الدنيا عينان تَجْرِيان من البكاء.
قوله تعالى: {فيهما من كُلِّ فاكهةٍ زوجان} أي: صنفان ونوعان. قال المفسرون: فيهما من كل ما يُتفكَّه به نوعان، رطب ويابس، لا يقصر أحدهما عن الآخر في فضله.

1 | 2 | 3